كانت تفيض غيضاً من حب ابي لي تكرهني وتغار حتى من جدائلي الشقراء لقد قصتها اكثر من مرة ولوحت بها في الهواء فتناثرت كأشعة شمس منتحرة حزينة. 
تغار من وجنتي المتوردتين دائما رغم وسائل التجويع التي تمارسها كانت تضربني وترشقني ببساقها المر، فيجف على وجهي البريء منه حبيبات كريهة لا اجرؤ على مسحها بكم ثوبي وعندما ارجحتني قصدت قتلي حتى لا ارث في بيت ابي فعلت والقت بي من الارجوحة الى الارض المكتظة بالحجارة والمسامير الصدئة, لكن عمر جديد تحداها وعشت لأحمل جروحي وحدي تلك الجروح التي علمتني كم الحياة قاسية بدون الابوين...

شيء من الوجع
رضخت الفتاة لحكم القدر لتعيش في دوامة الوجع تبحث فيها عن محطة زاخرة بالأمومة في كنف زوجة ابيها التي رفضت رعايتها بعد وفاة والدها وظل ارتحالها عبر سنوات القهر والالم اذ لم يتكفل احد بمصاريف تعليمها فتركت مقعد الدراسة بعد عيشها في احد بيوت الاقرباء, كبرت واصبحت صبية لم يحبذ الاب بقائها مع أسرته وأولاده الشباب خصوصا بعد إن رفضوا الاقتران بها، موجعة كلمة الرفض حينما تسمعها فتأوي الى فراشها لتتدلى دموع حزنها على وسادة وحدتها.
واتى اليوم الموعد لتزف عروس لرجل يكبرها بسنين يقطن في قرية شبه نائية على أطراف المدينة لتعيش حياة أخرى لم تختارها بملأ إرادتها, حياة قد وارت بها أحلام الصبا الغضة وشيء من الوجع.

فرح طوقه الحزن
تُعتبر دور الأيتام مؤسسة خيرية مهمة إذ تحمل مسؤولية كبيرة وأمانة في إنشاء جيل من حيث رعايتهم بالأطفال والاهتمام بكل تفاصيل حياتهم والعمل على دعمهم نفسياً لتعزيز ثقتهم بذاتهم وتوفير جواً من الأُلفة والمحبة لهم, فضلا عن الدور الإنساني ولكن هذا لا يقتل شعور النقص داخلهم والاقسى ألماً حينما يدرك الطفل رفض والديه له وهما على قيد الحياة, اذ ترفضه الام لانفصالها عن والده واقترانها برجل اخر ويرفضه الاب لان زوجته الجديدة ترفض رعايته فيكون دار الايتام الملاذ الوحيد لاحتوائه ليفرح به غير ان فرحه مطوق بالحزن.
(موقع كربلاء الإخباري) ينقلكم في جولة استطلاعية حول دور رعاية الأيتام في مدينة كربلاء المقدسة:

حلم الطفولة
صعب للغاية وصف شعوري إِزاءَ ما مررت به حينما رأيت امي جثة هامدة بعد إن تآكلت النيران جسدها النحيل وأنا الوذ خلف الباب اواري وجه اُختي عن مشاهدة  بشاعة المنظر لم يكن بمقدوري اسعافها آنذاك لصِغر عمري. 
بعد وفاة أمي بذلك الحادث وعيش ابي في بيت زوجته الثانية التي رفضتنا وعجز جدتي المسنة لرعايتنا مع رفض المقربين بتكفلنا، عمدت جارتنا التي كانت صديقة لأمي إدخالنا لدار رعاية الايتام الا انهم رفضوا شقيقتي لأنها فتاة والدار مخصص للذكور، ولكونها صغيرة كان لابد ان تُدخلها دار الطفولة في مدينة الناصرية رفضت جارتنا ذلك ولكونها لم ترزق بالذرية قررت التكفل برعايتها. 
توالت السنوات وانا اليوم في المرحلة الاخيرة للثانوية تلقيت رعاية ملؤها المودة وبرغم  بلوغي السن الذي يؤهلني لترك الدار غير إني قررت المكوث به حتى اُنهي دراستي الجامعية لأحقق حلم الطفولة واُصبح طبيب.

بيئة غير صالحة
وفي لقائنا مع  مدير العمل والشؤون الاجتماعية في كربلاء المقدسة لقسم الاحتياجات الخاصة ثورة مهدي الاموي للحديث حول ما تقدمه دور رعاية الايتام  قالت: تأسست دار البراعم ودار الزهور لرعاية الايتام سنة ( 1968) اذ حملت آنذاك أسم آخر وهو الاحداث ثم دور الدولة، الا ان العرف الاجتماعي كان له دور فعال من عدم التحاق الفتيات في دار الزهور للإناث  مما جعل بعضهن عرضة للاضطهاد في ترك الدراسة والزواج المبكر من قبل ذويهم، فأغلقت الدار.
واشارت بقولها الى: ان دور رعاية الايتام بيئة غير صالحة  لهذا لم يعمل بها عالميا اذ  يستعين الاخصائيون بأسرة بديلة تكفل رعاية الطفل اليتيم في البلدان الاجنبية.
وذلك خوفا من الاضطهاد النفسي الذي يتعرض له الأطفال في بداية حياتهم المبكرة لحرمانهم من الأم أو الأب أو كليهما والتي تؤدى إلى إصابتهم بحالات من الاكتئاب وإلى ضعف علاقتهم الاجتماعية مع الآخريـن وربما يصل الأمر إلى جنوح بعضهم، لهذا سعت المنظمات الاجتماعية العالمية بالعمل وفق الاسرة البديلة.

العواقب  
وحول العواقب التي يتعرض لها الاطفال في حال التحاقهم بالدار قالت الاموي: لهذا الامر عواقب لا يحمد عقباها اذ يولد شعور دفين لدى بعضهم بالحرمان الاجتماعي والعاطفي والشعـــور بالوحدة كما يرتفع مستوى الضغوط النفسية لديهم منها نقص التركيز واضطرابات النوم  والتبول الا ارادي والسلوك العدواني، مع نوبات من الغضب والعناد والاضطرابات السلوكية والتي من أهم مظاهرها التبلد الانفعالي.

خدمات دار الأيتام 
وعن الخدمات التي تقدمها الدار أضافت:  تستقبل دار البراعم الطفل بعمر الستة سنوات اذ يلتحق بالمدرسة اسوة بغيره, كما عمد المسؤولين بتشكيل كادر متكامل وفق ضوابط معمول بها بتوجيه اخصائيين يهتمون بكل احتياجات الاطفال وتوفير كل ما يلزم من الكسوة والتغذية وغيرها, بالإضافة إلى  تنظيم رحلات ترفيهية لزيارة المراقد المقدسة او الذهاب بسفرات مدرسية.
كما خُصص للأطفال المسجلين راتب شهري قدره (خمسون الف دينار عراقي) ينفق نصفه كمصروف يومي والمتبقي يوضع في المصرف بدفتر توفير خاص لكل طفل, ويتم صرف المال لهم حين تخرجهم من الدار بعمر الثامنة عشر.

شكر وامتنان
وفي الختام وجهت الاموي شكرها وامتنانها لدعم العتبتين المقدستين لمساندتهم الدؤوبة بهذا الجانب، اذ اهتموا بشكل كبير بشريحة الايتام في تقديم يد العون من خلال توفير بعض الخدمات التي تساهم في سد احتياجاتهم في دور رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام.
كما أثنت على المشروع القائم تحت اشرافهما في تأهيل دار إيوائي لهذه الشريحة مؤكدتًا، بأنه مشروع ممتاز يساعد على انتشال هذه الشريحة من الضياع والتشرد.

موقع كربلاء الإخباري
تحقيق: زهراء جبار الكناني