كربلاء الاخباري
مدينة كربلاء من المدن المميزة على مستوى العراق والعالم بصوة عامة ولعل من الأمور التي تميز هذه المدينة تفاصيها التي تحاكي الأزمنة على اختلافها وتنفرد بجزئيات خاصة تعكس عبق الاصالة والتأريخ لهذه البقعة الطاهرة، الأنماط التاريخية للعمارة والبناء وتوثيقها بالرسوم والخرائط والصور من مشاهد هذه المدينة ويُعد عملاً باهراً، ربما لا تقتصر الحاجة اليه في وقتنا الحاضر وحسب وإنما للأجيال القادمة.
كتب المهندس الألماني (أوسكار رويتر) رسالة الدكتوراه في تصاميم المباني العراقية ومن أجل ذلك أقام في بغداد مدة ثلاث سنوات، ولم يكتف بدراسة تصاميم البناء وفن العمارة في بغداد بل توجه الى كربلاء والحلة والنجف والأرياف التي حولها، لتكون دراسته أكثر شمولية ودقّة.
(البيت العراقي) اسم الكتاب الذي اصدره في برلين ، فقد جاء في ذيل المقدمة تاريخ آب 1909م، ويمكن من هذا التاريخ أن نحدد الثلاث سنين التي أقامها في العراق والتي كانت ما قبل هذا التاريخ، أي في الأعوام 1906 و1907 و 1908، وقد أمضى هذه الأعوام الثلاث المتصلة في بغداد يدرس مبانيها التاريخية وكان يزور بين فترة وأخرى مدن الحلة والنجف وكربلاء والأرياف المحيطة، وكان لكربلاء الحصة الأكبر لخصوصيتها الدينية و روعة في الفن المعماري قلما يوجد في مكان آخر، حيث تتداخل العمارة الجميلة المختلفة من عدة شعوب إسلامية .
شبابيك (الأرسي) والشبابيك البارزة (الشناشيل) ذو الطابقين والطارمة والكاشي الكربلائي، كل هذه المفردات تجدها حاضرة بقوة في كتاب (البيت العراقي) والي ينسبها الى كربلاء دون غيرها وظاهراً ان (اوسكار رويتر) اقضى مدة كبيرة من فترة اقامته في العراق بمدينة كربلاء وبتفسير هذه المصطلحات بالاستعانة بمهندسي العمارة آنذاك او (اسطوات البناء).
يرى الباحث الكربلائي (حسين هاشم آل طعمة) من خلال هذه الرسالة الأكاديمية يمكن القول إن كربلاء كانت نموذجاً متقدماً في البناء وفن العمارة عن بغداد وبقية المدن العراقية الأخرى، وما هذه إلا شهادة موثقة من باحث أجنبي في حق هذه المدينة الحضارية العريقة، وهي الشهادة التي يجب أن تحفظ لتدلّ الأجيال على حقيقة وهوية كربلاء المقدسة قبل أن تطالها أيدي التحديث والطراز الغربي الذي عصف بالمباني الأثرية منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي، كما إن تطورات الزمن وأحداثها الجسام لم ترحم الكثير من ذلك التراث الجميل، مضيفاً "ان الاجدر تسمية هذا الكتاب (البيت العراقي في كربلاء ومدن عراقية أخرى) لوفرة النصوص التي أوردها فيما يخصّ عمارة مدينة كربلاء الفريدة من نوعها عراقياً، بدلاً عن (البيت العراقي في بغداد ومدن عراقية أخرى)".
وعند التقدم بالزمن وصولاً الى تسعينات القرن الماضي نجد ان كربلاء لم تتأثر بالمتغيرات السياسية والاقتصادية التي مر بها البلد وحافظت على تميزها المعماري وبناياتها المميزة بفنون هندسية فريدة ومن المعماريين الذين تركوا بصمة واضحة في عالم العمارة هو الدكتور محمد صالح مكية (1914 ـ 2015) ومن الإرث الذي تركه مكية في كربلاء بناية عمارة شركة التأمين الوطنية العراقية وبناية المكتبة العامة (المكتبة المركزية) في المحافظة وبناية مصرف الرافدين (أزيل مع الأسف).
عمارة شركة التأمين الوطنية العراقية من المعالم الحضارية في كربلاء من الطراز العباسي الاسلامي، بدأ العمل بها في نهاية الستينات من القرن الماضي (1968) في منطقة باب بغداد بعدما كان الموقع مركز إطفاء ونادي رياضي، اكتمل البناء بها في النصف الأول من عقد السبعينات في عام (1975) تحديداً وكان يُشار لها بالبنان على ارتفاعها العالي واليوم قد هرمت بين مثيلاتها من العمارات وشيدت سنة (1991).
اما المكتبة المركزية في محافظة كربلاء هي تجسيد للبساطة المعمارية، البساطة الفاتنة، المشوبة بالعذوبة؛ فيمكن ان يكون ذلك، مبنى "مكتبة كربلاء العامة" (1969) وكانت تسمى في السابق "مكتبة المعارف العامة". وتأكيد انتمائية المبنى إلى محيطه، ويصفها أصحاب الاختصاص (ان تعبيرية الواجهة الرئيسية، كانت محتشمة بزهدها، واقتصرت على محض سطوح آجرية موقع في منتصفها المدخل الرئيس، تعلوه "فجوة" منحسرة نحو الداخل).
الدكتور محمد صالح مكية (1914 ـ 2015) ولد في بغداد انهى تعليمة المعماري في بريطانيا وكان الاول في جامعة ليفربول / انكلترا والثاني في دورته للحصول على شهادة الدكتوراه في العمارة وتخطيط المدن في King college في كامبريج. تولى عدة مناصب داخل وخارج العراق وساهم بالعديد من المؤتمرات العالمية وله بحوث ومؤلفات في العمارة عديدة من اعماله مسجد بلدية الحلة وبيوت الاميرات بالمنصور ومصرفي الكوفة وكربلاء ومسجد الدولة الكبير بغداد ومسجد الكويت الكبير كذلك مجمع الجامعة العربية تونس ومجمع الحاكم في الرياض.
موقع كربلاء الاخباري
تحرير/أسامة الخفاجي