الأخبار والنشاطات

في الذكرى السنوية لرحيله.. الكربلائيون يستذكرون مئذنة الشعر الحسيني الشاعر المرحوم كاظم المنظور الكربلائي

في الذكرى السنوية لرحيله.. الكربلائيون يستذكرون مئذنة الشعر الحسيني الشاعر المرحوم كاظم المنظور الكربلائي
تم النشر في 2020/07/17 07:42 3K مشاهدة

)بلوى بالشعر يا ناس باليني مو شاعر أنا حسين أليحجيني( ..

في مثل هذا اليوم ودعت كربلاء المقدسة خاصة وشيعة اهل البيت في جميع العالم عامة امير الشعر والشعراء الشاعر كاظم منظور الكربلائي (طاب ثراه) كاظم بن حسون الشمري الكربلائي ، ولد في كربلاء عام 1891 م في محلة باب النجف (خلف تكية العباسية حاليا).

ثم أنتقل بين محلاتها الشعبية فمن محلة باب النجف انتقل الى محلة باب الخان قرب حمام العلقمي، ثم الى منطقة باب طويريج المسماة بالمگلع، وأستقر بعدها في محلة العباسية الشرقية سنة 1958 قرب مديرية الجنسية حاليا.. عاش المنظور في ظل والده، ولما بلغ من العمر 7 سنوات مات والده فأخذ يتردد على المجالس الحسينية، لاسيما في شهر محرم وصفر، وكان يحفظ الشعر ويتطلع في القصائد التي تلقى من قبل الرواديد .. وبانت عليه ملكة الحفظ وهو لا يقرأ ولا يكتب في الوقت الذي لا يوجد فيه مدارس، وأغلب الناس كانوا أميين، وعدد قليل من المشايخ و(الكتاتيب) يعلمون الناس قراءة القرآن وحفظه، بدءًًا المنظور بحفظ القرأن وكان يحضر في شهر رمضان في الصحن الحسيني، دروس للعلامة المفسر (السيد حسن الاستربادي) الذي كان مختص في تفسير القرآن .. وأخذ يقرأ باقي الأجزاء حتى أكمل قراءة القرآن وهو في سن 25، دون أن يتقن الكتابة، وكان يستعين بمن حوله للكتابة. أكسبته قراءة القرآن موهبة فريدة في نظم الشعر بصورة مميزة عن أقرانه ، حيث كان الشعر في ذلك الوقت يدور على واقعة الطف ومأساتها، إلا أن المنظور أستطاع أن يأتي بنمط شعري جديد ثوري نابع من صميم العقيدة الإسلامية، وايات القرآن والأحاديث النبوية وأقوال الأئمة (ع) وأستطاع أن يُدخل مفردات جديدة في شعره تمثلت في الشمس والقمر والكواكب، وعن عالم الأرواح والقبر والبرزخ والحساب والشفاعة، مما لم يكن متعارف عليه في وقته عند الشعراء الشعبيين المعاصرين له كالحاج عبود أبو حبال والسيد حسين العلوي والحاج قندي والشيخ عبد الله المعلم والشيخ محمد السراج (أبو خمرة) والشيخ عبد الكريم أبو محفوظ. عمل المنظور في (الجندرمة) خلال الشهور الأخيرة من الحكم العثماني، وكان أحد حراس بوابة كربلاء الشمالية (الطريق من وإلى بغداد) في ثورة العشرين 1920 ومارس المنظور العديد من المهن، كمهنة النادل (القهوجي)، ومهنة تصنيع الجص (جصاص) ومن ثم بيع التمور، وبعدها مهنة بيع الأغنام وكذك ببائع الشاي ساقي الشاي المشهور بقدرته على حمل أربعة عشر كوبا بين أصابع كفه الواحدة ، وكان طيلة ممارسته هذه المهن مولعاً بكتابة الشعر الحسيني. وحتى سن الثلاثين تقريبا لم يكن يعرف شاعرنا بالمنظور بل كان معروفا بكاظم الچايچي اذن لماذا سمي بالمنظور ؟؟ كان في بداية نشأته الشعرية، وبروزه كشاعر تقرأ قصائده على المنابر، وكان معروفاً بأسم \"كاظم حسون\"، والبعض يناديه بأسم \"كاظم الجايجي\" لمهنته، وهذا ما ولدَ خلط بينه وبين الكثيرين الذين يحلمون نفس الأسماء ونفس الصفات، مما أضطر شيخ الرواديد في ذلك الوقت الشيخ \"حسين فروخي\" إلى وضع لقب يميزه به ، وذات يوم أثناء صلاته في صحن الإمام الحسين (ع) بجانب المذبح الشريف، حيث كان يفكر بضرورة أيجاد لقب لمنظور ، وهنا سمع صوت يقول: سميناه كاظم المنظور، فأنتبه الشيخ الفروخي إلى مصدر هذا الصوت ولم يجد أحد بجانبه، ومعناه أن الإمام الحسين (ع) أختار هذا اللقب لشاعرنا، لُيعني أنه منظور من قِبل أهل البيت (ع).

 

قرأ له رواديد كثيرين وكان الاقرب له كثيرا هو حمزة الزغير كذلك الملا المرحوم الشيخ جاسم الگلگاوي، وملا حمزة السماج، والشهيد الملا حسين التريري والرادود جاسم النويني والرادود محمد حمزة الكربلائي رحمهم الله ، وكذلك قرأ من المخضرمين الحاج باسم الكربلائي، وملا جليل الكربلائي، والملا سيد حسن الكربلائي وغيرهم .. ومن أجمل قصائده وأشهرها جابر يجابر، الميمون، شوف أمك أبيا حاله، يبن أمي عالتربان والكثير من القصائد التي كتبها في كل أنواع وأصناف بحور الشعر بمئات القصائد الحسينية وترك 12 ديوان صدقة جارية على روحه . فقد عاصر المنظور قسم كبير من الشعراء الكبار أمثال الشاعر عبود غفلة وهادي القصاب وعبد الأمير الفتلاوي، وكاظم ألبنا والحاج كاظم السلامي والشاعر الرادود عبد الأمير الترجمان وآخرين، أما من تتلمذ على المنظور شعراءٌ كبار أمثال الشاعر والرادود مهدي الأموي والشاعر سعيد الهر والشاعر سليم البياتي وآخرين .. المنظور كان أميا لا يجيد القراءة والكتابة، وكان يعتمد على بعض الأصدقاء لإعانته على كتابة قصائده ، وإن المنظور لم يأخذ شيئا ممن سبقوه أو عاصروه جميعا بينما أخذ الجميع كل شيء منه خلال تبلور المنظورات الحسينية. المنظور شاعرٌ بارعٌ وكبير، وقد اتفق أهل صناعة الشعر العامي على انه أميرهم بدون منازع يولونه فائق احترامهم، ويعتمدون عليه، ويستندون إليه في الحكومة والفصل بينهم، وهم يعتزون بشعره الذي سار مسير الشمس، وهبّ هبوب الرياح.. افتخر شعراء العامي بشعره ووصفوه بأنه عالي القدح.. سلس عذب... وهو مقتدر على المعاني .. لم يسبق إلى الكثير في البحور.. بالإضافة الى ذلك المنظور كان زاهدا ، فقد رفض الكثير من الأموال والهدايا كتعبير عن شعره وخدمته للحسين (ع)، وحيث إن المنظور دائم الحضور في كل المناسبات التي تقام في مدينة كربلاء، من مجالس حسينية واحتفالات إسلامية، وشارك الناس بأحزانهم وأفراحهم، ولهذا أصبح من أعيان المدينة، وذو حضور بارز في مفاصل الحياة الكربلائية. كان رحمه الله أباً ومربياً وموجهاً، في العزاءات الحسينية ورمز من رموز كربلاء وشخصياتها، كلامه فصل في المجالس الحسينية، وفي بداية العقد الرابع من القرن الماضي ، نظم المنظور قصيدة أخذت نمط وطرح جديد، كان مطلعها: تنصب محكمة كبرى للخلك بالآخرة شافع الأمة محمد والمحامي حيدره فارتفعت صيحات الحساد والمبغضين ضد هذه القصيدة، قائلين: كيف أن الله يخلق النار، ويُدخل فيها العاصين والمذنبين، ويجعل علي بن أبي طالب محامياً عنهم، وينجيهم، فرفعوا مذكرة موقعة لأكثر من سبعين توقيع إلى سماحة آية الله العظمى السيد عبد الحسين الحجة، الموجود آنذاك في كربلاء، محتجين على هذه القصيدة، معتبريها كفراً وإلحادا، ومستصغرين فيها الشاعر، ومعتبريه من الجُّهال. بعدما أطلع المرجع السيد عبد الحسين على فحوى رسالة الحساد والمبغضين ضد هذه القصيدة أرسل بطلب الشاعر كاظم المنظور، وأجلسه بين يديه، وكان يعلم ويعرف قدرة الشاعر وماذا يعني بهذه القصيدة، فسأله عن ملابسات الموضوع، فما كان جواب الشاعر حينها فكان كما توقعه سماحة السيد، وهو: إن قانون المحاكم الوضعي، الذي وضعه مجموعة من الناس، يخول المحكمة أن تجعل للمتهم الماثل أمامها محامياً يدافع عنه، إذ لم يكن للمتهم محامياً، وفق مبدأ العدالة الذي يؤمن به البشر، ولتخفيف الحكم عن هذا المتهم، رأفة من المحكمة بهذا المتهم، فكيف الأمر بالله أرحم الراحمين، والذي جعل محمد نبي الرحمة وأله بيته رحمة للعالمين في الدنيا والآخرة. حتى كرمه المرجع واعتذر منه حينها .

وللمنظور قصائد عديدة نظمها في حق آل البيت (ع) ومنها قصيدة يؤكد فيها عدم بحثه عن الشهرة أو التفاخر بقدرته الشعرية، قال فيها: بلوى بالشعر يا ناس باليني مو شاعر أنا حسين أليحجيني وهنالك قصيدة مميزة (جابر يجابر ما دريت بكربلا شصار) أخذت مدى واسع ولاقت صدى كبير في الشارع الكربلائي لهذا اليوم . حيث طبعت لثلاثة ملايين وخمسمائة ألف نسخة وأنشدها عشرات الملالي والرواديد، من الماضين والمحدثين، فقد نظمها شاعرنا المرحوم عام 1965، وسرعان ما ذاع صيتها وانتشرت في العالم الإسلامي بصوت رادود أهل البيت الحاج \"حمزة الزغير\"، حيث أنها امتازت بموضوعها المأساوي، وتصوير مشاهد رجوع سبايا أل بيت محمد (ص)، إلى كربلاء، بطريقة مشجية، وبكلمات مؤثرة في النفوس، وعرض فيها مشاهد لقاء ألصاحبي الجليل \"جابر بن عبد الله الأنصاري\" بالإمام زين العابدين (ع).. وفي عام 1974 كان المنظور في فراش المرض، إلا إنه لم ينقطع عن مراسيم شهر محرم، وكان مستمر بكتابة الشعر بالرغم من مرضه، ويزود عزيات الأطراف الكربلائية به، وأثناء نظمه الردات يبكي ويقول: \" لقد طال بقائي في البيت، أن شاء الله يوم غد سأخرج، لأن عدم مشاركتي في المواكب أثقل عليّ من المرض \" وكانت أخر الردات التي نظمها وهو على فراش المرض أولــــيدي يعبد الله شلـــون يابس بدمـك لا لبن يحصل لا مــــــاي بـــس دمعة أمـك ساعة ونشف ماي العيــــن عـبد الله يا بني وبعد أن بدأ الوضع الصحي لشاعرنا يتحسن، قاد موكب كربلاء إلى النجف بمناسبة وفاة الرسول (ص)، وقرأ الملا حمزة الصغير أخر قصيدة (گعدة) لشاعرنا المرحوم في صحن الإمام علي (ع) ومثلما كان يسير وتتبعه قوافي الشعر فقد كان يطير وتحلق حوله أجنحة الشعر إلى يوم رحيله.. ولما أطاح المرض بشاعر كربلاء، ولازمه الفراش، دعا وجهاء كربلاء والحسينيين وأصحاب المواكب الحسينية أن يزورونه في بيته، حيث كانت الآلام ترتسم على قسمات وجهه من شدة المرض، دون أن يشكو، وتم نقله أكثر من مرة إلى مستشفى الحسيني القديم إلا إن المرة الأخيرة، أشتد فيه المرض، وأصابه نزيف معوي شديد، وكان الأطباء على رأسه، وبدأ يودع الحياة بعد عمر حافل بالانجازات الحسينية ناهز الثمانين عاماً، وكان مسجى على القبلة، وعند سكرات الموت أخذ يردد أبيات من قصيدةٍ له قديمة قال فيها: علتي الچامنة بحشاي لگيت إللي يداويها دواها بتربتك يا حسين وروحي بيك أسليها وبعد إعلان وفاته من منارتي الصحنين الشريفين بتاريخ 17 تموز 1974م ، فكر الجميع في دفنه بمقبرة كربلاء القديمة، وبدأ تشيع الجنازة من داره الواقعة خلف بناية محافظة كربلاء متوجهاً إلى مغتسل المخيم القديم، وبعد الغسل والتكفين، حُمل النعش بحضور جماهير كربلاء المحتشدة، وحُمل النعش على رؤوس الأصابع، وتقدم النعش موكب عزاء ولافتات تعبر عن الحزن والأسى ...

 

وتقدم البعض من الحسينين وتوجوا للمحافظة طلبا برخصة دفن الشاعر في العتبة الحسينية وعزموا على هذه المهمة وحصلوا على الموافقة وحضر التشيع محافظ كربلاء لدفن في صحن الإمام الحسين (ع) وأقيمت مجالس الفاتحة في كربلاء لمدة أربعة أيام، وانهال توافد المعزين من المحافظات إلى كربلاء، من شعراء ورواديد، مشاركين بقصائدهم ومشاعرهم على الفقيد الراحل، ولضخامة مجالس الفاتحة التي أقيمت ترحما على المنظور، الأمر الذي أدى لتدخل السلطة الصدامية وقتها لمنع جميع مجالس الفاتحة، بحجة إنها تظاهرة حسينية، وهذا ما اقلق السلطات المحلية بكربلاء آنذاك.. ولأن المنظور خدم آل البيت (ع) بنية خالصة في حب الله، كان جزاءه الخلود وشرف المجد، وبعد سقوط النظام البائد، وبمناسبة تجديد قبر المنظور في مقبرة الإمام الشيرازي قدس سره في داخل صحن الحسين ع، وتحت رعاية الأمانة العامة للعتبة الحسينية وبمشاركة الهيئات والمواكب الحسينية في كربلاء، أُقيم حفلاً تأبينياً بهذه المناسبة داخل الصحن الحسيني، بمشاركة الشعراء والرواديد والأدباء، تخليداً وإشادة بعطاء أمير الشعراء المرحوم كاظم المنظور طاب ثراه.