في محافظة كربلاء المقدسة، حيث تُصاغ قصص النجاح والإصرار، تألقت الطالبة جنات محمد جعفر كواحدة من أبهى نماذج الإرادة والتفوق. جنات، الطالبة الكفيفة التي أحرزت معدل 88% في الامتحانات الوزارية للصف الثالث المتوسط لعام 2024/2025، لم تسمح للظروف بأن تكون عائقًا، بل حولت فقدان البصر إلى وقود دفعها نحو القمة، مثبتة أن العزيمة قادرة على صناعة النور من قلب الظلمة.
بداية الحلم: من التعليم المسرّع إلى التفوق
لم تبصر جنات النور منذ ولادتها، لكنها أبصرت طريقها بعين القلب والعقل. بدأت مشوارها التعليمي في مدرسة "الاهتداء" للتعليم المسرّع، حيث كانت الست ميعاد حسين سهر، مديرة المدرسة، أول من آمن بها واحتضن إمكاناتها.
وقالت ميـعاد حسين "كنا نعلم أن جنات قادرة على التعلم، فقط احتاجت إلى فرصة. أثبتت لنا جميعًا أن البصيرة أقوى من البصر، وأن القلب المليء بالإيمان يرى الطريق حتى في العتمة."
ذلك الدعم الأول كان الشرارة التي أطلقت رحلة استثنائية، امتدت من المدرسة إلى بيتها، حيث وجدت في عائلتها سندًا لا يتزعزع.
عندما تصبح الأم عينًا وأملًا
انتقلت جنات إلى متوسطة الرتاج للبنات التابعة لتربية كربلاء، لتواجه تحديات أكبر، ولكنها واجهتها بإصرار من نوع خاص.
اعتمدت على الوسائل السمعية في تلقي الدروس، بينما كانت والدتها تكتب وتذاكر لها يوميًا، لتكون معها في كل خطوة.
قالت جنات أن "الإعاقة لم تكن قيدًا، بل كانت جزءًا من قصتي. والدتي كانت عيني التي ترى، وصوتها كان مرشدي. لم أسمح لشيء أن يمنعني من النجاح."
بعزيمة فولاذية، استطاعت جنات أن تتصدر صفها، متفوقة في اختبارات يعجز أمامها كثيرون.
التعليم الشامل.. نجاح يتحدث عنه الجميع
الأستاذ صفاء مهدي العطار، مدير قسم محو الأمية والتعليم المسرّع بتربية كربلاء، اعتبر قصة جنات دليلًا حيًا على قوة التعليم الشامل.
حيث قال العطار أن "نجاح جنات ليس مجرد قصة فردية، بل هو جرس تنبيه بضرورة الاهتمام الحقيقي بذوي الاحتياجات الخاصة. دعمهم ليس ترفًا، بل واجب إنساني وأخلاقي وتربوي."
كما دعا إلى استثمار هذه النماذج في تطوير السياسات التعليمية، وتعزيز التعاون بين الأسرة والمدرسة لاحتضان الموهبة والتنوع.
رسالة أمل: "التحدي هو طريق النجاح"
لا ترى جنات في قصتها مجرد نجاح شخصي، بل تعتبرها رسالة أمل لكل طالب يواجه صعوبات، ولكل إنسان يشعر بالعجز.
وقالت جنات أنه "كلما زادت التحديات، زاد إصراري. النجاح لا يُمنح، بل يُنتزع بالعزيمة. سأكمل طريقي لأحقق حلمي وأكون مصدر إلهام للآخرين."
جنات.. نورٌ من العتمة يضيء دروب الآخرين
قصة جنات تتجاوز حدود التعليم؛ إنها دعوة للتفاؤل، وللإيمان بالقدرة الكامنة داخل الإنسان. في وقت ترتفع فيه الشكاوى من صعوبة المناهج أو قلة الإمكانيات، تثبت جنات أن الحلم لا يعترف بالعقبات، وأن القوة ليست في الجسد بل في الروح التي لا تنكسر.
كما أكدت جنات أن "الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بدايته. والظلام ليس عدوًا إن كنا نحمل النور بداخلنا."
موقع كربلاء الحباري
تحرير/حيدر الحسيني