لطالما ترك ذلك العشق اثرا في نفوس كل الموالين لم يكن جموح الى عاطفة الخيال المغتنص، انما هي حقيقة ناصعة الوجدان اثمرت روحا شاعرية لحب الامام علي وابنائه الاطهار (عليهم السلام) حتى تعالت اصوات محبيه بالاهازيج مبتهجة بيوم ايلاء السرائر وهم يقفون على اعتابه ليجددوا البيعة معلنين ولائهم، وقد توسمت وجوههم فرحا بيوم تتويج الامام علي (ع) وليا وخليفة للمسلمين من بعد الرسول بامر من الله تعالى و فيه تمت نعمته على المؤمنين، ويُعتبر عيد الغدير الأغر العيد الثالث والأخير في السنة الهجرية حيث يشكل محطة بارزة في التاريخ والمسيرة الاسلامية، إذ يعد موقفا من مواقف الحق والحقيقة الناصعة التي تركت بصماتها عبر مر الأزمان وذلك لتنصيب قائدٍ للأمة تجتمع فيه كل المؤهلات العلمية والقيادية ورسم مسارها ومصيرها وإبعادها عن كل الانحرافات في الفكر والسلوك.
الاحتفال بالغدير عبر التاريخ
يقول المؤرخ ابو الحسن المسعودي المتوفى (346 هـ) أن ( أبناء علي عليه السلام وشيعته يعظمون هذا اليوم ) ويصنِّف الباحث الاسلامي ابو الريحان البيروني في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية هذا اليوم ضُمن أحداث ذي الحجة، ويذكره باسم (غدير خم ) وقبل ذلك روى الفياض بن محمد بن عمر الطوسي عن الإمام الرضا عليه السلام ، أنه كان يحتفل بذلك اليوم، حيث قال: حضرتُ مجلسَ مولانَا عليِّ بن موسى الرِّضا عليه السلام في يوم الغدير وبِحضرته جماعةٌ من خواصِّه قد احتبسهُمْ عندهُ للإِفطار معهُ قد قدَّم إِلى منازلهمْ الطَّعام والْبُرَّ وأَلبسهمُ الصِّلاةَ والكسْوَةَ حتَّى الخواتيمَ ،وقد تواصل تعظيم ذلك اليوم حتى أن الخليفة الفاطمي المستعلي بالله بُويع في يوم عيد غدير خم، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وفي القرون المتأخرة وصل حال هذا اليوم الى حدّ اصبح الاحتفال بعيد الغدير شعاراً للشيعة، وكان الفاطميون في مصر قد أضفوا على عيد الغدير الصفة الرسمية، وهكذا الامر في ايران حيث يحتفل بذلك اليوم منذ تسنم الشاه اسماعيل الصفوي السلطة عام 907هجرية وحتى يومنا هذا بصورة رسمية، أمّا النجف الاشرف فقد اعتاد أهلها إقامة حفل بهيج في الصحن العلوي يوم الثامن عشر من ذي الحجة يحضروه علماء الشيعة ووجهاؤهم بالاضافة الى سفراء الدول الاسلامية في العراق، وتلقى في ذلك الحفل الكثير من القصائد والخطب، وهكذا الامر بالنسبة الى الشيعة الزيدية في اليمن حيث تحيي هي الاخرى ذلك اليوم بكل اجلال وبهاء.
مراسيم ملائكية
فيما وصف الشيخ عبد الرزاق محمد علي عيد الغدير بالمراسيم الملائكية فمهما تكلمنا عنها لن نصل للثناء الذي يستحق حيث من سبل احياء ذكرى يوم الغدير هي اقامة الندوات العلمية من لدن ذوي الاختصاص والفضلاء وعقد المؤتمرات الثقافية، لذلك فإن الناس لو عرفوا حقيقة الغدير لاعتنقوا فكر اهل البيت (ع)، مع الاخذ بعين الاعتبار قوله تعالى (ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) فأن عيد الغدير هو عيد آل محمّد ( عليهم السلام )، وهو العيد الثالث عند الشيعه وهو أعظم الاعياد ما بعث الله تعالى نبيّاً الّا وهو يحتفل بهذا اليوم ويحفظ حُرمته، واسم في السّماء يوم العهد المعهود وفي الارض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود.
أمر سماوي
وفي السياق ذاته قال الشيخ حيدر الساعدي: لقد ورد في الروايات لما انصرف رسول الله (ص) سار نحو المدينة، حتى إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وصل ومن معه من المسلمون إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولم يكن هذا المكان بموضع إذ ذاك يصلح للنزول لعدم وجود الماء فيه والمرعى إلا انه امر سماوي كلف به من قبل وحي الله الامين جبرئيل (عليه السلام) ليبلغه بقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فصلى النبي بالمسلمين جميعا ثم خطب بهم وأشار إلى أمر الإستخلاف فنصب علياً (ع) بأمر من الله تعالى خليفة عليهم من بعده (ص) ثم نزل جبرئيل بالاية المباركة:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً).
وأضاف الساعدي : كما إن لعيد الغدير ثلاث سمات مهمة أولها السمة السياسية إذ تقتصر على بلاغة الامام علي (ع) حيث تعتمد على حياة المجتمعات ونوع نظام الحكم السائد وهي سمة واضحة حيث إن النبي (ص) وضع الصيغة السياسية للحكم وسلم الراية للإمام علي (ع).
أما السمة الثانية هي السمة العلمية حيث نصب فيها خاتم الأنبياء ميزان العلم والتشريع لهذه الأمة ووضع المرجعية الكاملة في تفسير القرآن والتشريع في كل علم من علوم الأرض ولخصها في جملة: (سلوني قبل أن تفقدوني).
بينما الثالثة والأهم هي السمة الغيبية لعيد الغدير حسب ما نطق به أهل البيت (عليهم السلام) من كلمات وهذه السمة هي التي تميز عيد الغدير عن باقي الأعياد.
زهراء جبار الكناني