في ظل غياب العنصر النسوي بالساحة الأدبية والثقافية العربية وعلى كافة الأصعدة والمجالات الإبداعية، يبرز عدد من الطاقات النسوية الشابة المكافحة في مجالي كتابة الشعر والخوض في ديدن الثقافة.
ولا يخفى على الجميع أن السعي إلى إبراز الشاعرات عملية شاقة ومتعبة إذ تخوض الشاعرة إرهاصات مجابهة الواقع في الأعراف والتقاليد. فضلًا عن كتابة الشعر الراكز الذي يجب أن يصل إلى المتلقي بيسر وسهولة كما أن طريقة إلقاء وإيصال القصيدة بحد ذاتها طريقة غير يسيرة وصعبة.
ومن هنا تبرز إحدى شاعرات الوسط الثقافي العربي. أبدعت في كتابة النص العمودي والنثري على حد سواء.
الشاعرة التونسية نورة الإحولي. عضو في العديد من المؤسسات الثقافية والإعلامية وتعمل صحفية وإعلامية في وسائل إعلام مسموعة ومرئية ومكتوبة.
لها ديوان أول زخات مطر. وكان لنا هذا الحوار حول مجموعتها الثانية والفريدة (بيت شعر يسكن نفسه)
١_ (بيت شعر يسكن نفسه).. لماذا هذا العنوان
ومن الذي يسكن في طيات الآخر الشاعر أم بيت الشعر؟
_لا أحد يعلم كم الكفاح الذي أخوضه لكتابة الشعر وأي صراع أحياه في كل قصيدة مؤلمة. كنت في كل مرة أسكُنُني ويسكنني القصيد وأسكن الشعر. لهذا اخترت عنوان ''بيت شعر يسكن نفسه''.
الشعر والشاعر جزء لا يتجزأ من الآخر وكلاهما يمثل ذاتية الآخر. فالشعر هو بيت الشاعر والشاعر إحتواء للشعر وأبياته وقوافيه ومعانيه.
٢_ مجموعتك هي الثانية من بعد الأولى (زخات مطر).. ماهي الفترات الزمنية التي كُتبت فيها هذه المجموعة؟
بعد 5 سنوات تقريبا من الإصدار الأول أنجزت بيت شعر يسكن نفسه واستغرق طيلة هذه الفترة.
٣_ المجموعة خليط من الشعر العمودي والنثر.. لماذا لم يكن أما عموديًا أو نثريًا؟ أو ربما تسعين لمسايرة جميع الأذواق؟
_المجموعة الشعرية بيت شعر يسكن نفسه هي مجموعة تحتوي على 87 قصيدة عمودية تتخللها قصيدتين من شعر التفعيلة وهما ''حمامتان'' و '' إلى المضطهدين في عهد العابدين'' ولا تحتوي على نصوص شعرية إيمانا مني وتحديا إبداعيا في كتابة الشعر العمودي.
٤_ الاهداء.. فيه مسحة شعرية ورسالة ثورية..
هل هو جزء من الوفاء لثوار تونس بطريقة شعرية؟
_أنا من جيل ثورة الياسمين وأعتز جدا بهذا الإنتماء واكبت ما عاناه هذا الجيل وما يعانيه الآن من صعوبات في التشغيل وصعوبات اجتماعية واقتصادية وهم الأحق بالإهداء وقد يكون الإهداء شعريا وأذكر جيدا لحظة كتابته لا شعوريا وبكل صدق ووجدان.
الألم، الليل، التقاء الغرباء، الطرقات، المقاهي، المستشفيات.. كلها معاجم مرتبطة بيومياتي وتفاصيلي.
أما المسارح المهجورة فهي إشارة إلى واقع بلدي الثقافي وأيضا السياسي في هذه الفترة بالذات التي لم نعد نميز فيها بين الخير والشر.
٥_ الذي يتفحّص في طيات النصوص الشعرية يجدها تتحدث عن الذات وعن الأقربين _الزوج_الأولاد_الأب_
لماذا هذا الوهج الشعري؟
_هذا الوهج مرتبط جدا بشخصيتي و لا أستطيع أن أكتب ما لا أشعر به وما لا يتغلغل في كياني من شعور بالفرح او الحب أو الحزن أو الألم أو الوطن الذي هو وجعي الأكبر.
وهذا الشعور لا يرتبط أساسا بحياتي الخاصة فهو يرتبط بما أعايشه من مواقف وأحداث تحدث للأصدقاء والأحباب والمقربين. أيضا شعور ينبثق عند المطالعة أو استماع الموسيقى أو مشاهدة فيلم درامي أو تدقيق في لوحة فنية.
٦_ الجمع بين الإشتغالات الثقافية والأدبية والإعلامية يُضعف من نتاج المبدع..
_هذا صحيح رغم أن ميدان الإعلام وميدان الأدب مرتبطان جدا وإذا اجتمعا في كيان واحد سيساعدان بدون شك في الرقي والإزدهار لكن التوفيق في إيجاد الوقت الكافي للكتابة والمطالعة في ظل إنشغالات العمل صعب جدا.
٧_ وأنت تجمعين بين الإعلام والشعر وإشتغالات أخرى.. أين تجدين إبداعك؟
_للإعلام طابعه الخاص ويشغل كامل الوقت تقريبا من تصفح للأخبار ومتابعة للمستجدات وكتابة المقالات وتحريرها واتصال سمعي وروحي بالمصدح والمستمع وأجد نفسي في ذلك جدا لأن حبي لعملي شديد وأقدسه حدّ الهذيان.
أما الشعر فهو كياني وعقلي وفَرحي وصندوق خصوصياتي وأسراري. ألجأ إليه عند الفرح والتعب ولا يمكنني العيش بدونه.
بإختصار، الإعلام والشعر متلازمان في حياتي.
٨_ الا تعتقدين أن المشهد الثقافي العربي يفتقر إلى العنصر النسوي.. مالسبب اننا لم نشاهد شاعرات على مستوى الوطن العربي الا ماندر؟
_كثيرا ما تحدثت عن هذا الموضوع بالذات وتذرقت له في عديد المناسبات. المرأة في ميداننا الأدبي الثقافي مضطهدة تماما كاضطهادها في مجتمعاتنا العربية فكم من حرف جميل بقى خلف القضبان إرضاء للمجتمع والقبيلة؟ وكم من مبدعة لم نسمع ولم نشعر بنَفَسها الشعري إرضاء لشرقية الرجل؟
على المرأة أن تتحرر لتبدع. تتحرر من أي سلطة وُجدت؛ سلطة القانون وسلطة الجسد وسلطة المجتمع وسلطة المعتقد.
٩_متى سنشهد المجموعة الشعرية الثالثة؟
_المجموعة الشعرية الثالثة جاهزة ولكنني لا أتعجل النشر في الوقت الحالي فمازلت أتنشق سعادتي ببيت شعر يسكن نفسه وقد يكون الإصدار القادم رواية.
١٠_ هل تعتقدين أن الإطلاع على ثقافات الشعوب يزيد من إبداع الكاتب؟
١١_لا يمكن للكاتب أن يبدع بدون انفتاح على بقية الشعوب لأن ثقافة الإنفتاح تنمي الفكر وتصقل الحرف وتجعل الكاتب أو الشاعر مواكبا لما يحدث في الوسط الثقافي العربي والعالمي ويحدد موقعه وموقفه من ذلك.
١٢_ كلمة أخيرة
شكرا جزيلا لكم على هذا الحوار وما أسعدني بهذه الفسحة الجميلة بينكم.
تحية لكم وورود.
أجرى الحوار / فراس الأسدي